Tuesday, October 25, 2005

ثلث قرن فتنة طائفية

أصبح ملف التوتر الطائفي بين الأقباط المسلمين في مصر من أكبر ملفات الأزمات في مصر منذ حادثة الخانكة الشهيرة عام 1972. في هذا العام شكل مجلس الشعب لجنة لتقصي الحقائق على رأسها المرحوم جمال العطيفي ، واجتهدت اللجنة وطافت أرض مصر لتحلل وتفسر أسباب الحادثة الطارئة وقتها، ثم إنتهى عمل اللجنة بعمل تقرير مهم أكد على أن الأحوال في مصر ليست على ما يرام وأن هناك تصورات وهمية خاطئة يحملها كل طرف عن الطرف الآخر وأنه آن الآوان لتنقية المناخ بين الطرفين

إنتهت حادثة الخانكة وألقي بتقرير اللجنة في سلة المهملات واستمر المشهد الطائفي الكئيب والعبثي حتى الآن. ما يقرب من ثلاثة وثلاثين سنة!! لثلث قرن من الزمان استمرت أحداث الفتن الطائفية في مصر، لم تمر فيها سنة واحدة دون حادث أو إثنان.

الثابت خلال هذه الفترة هو المسؤلين السياسيين والدينيين وتصريحاتهم ولقاءاتهم وصلاتهم ولحاهم وحلولهم العرجاء، بينما المتغير هو إزدياد الجفوة والفرقة بين الشعب الواحد، المتغير هو زيادة حماس وشعبية المتطرفين من الجانبين هؤلاء الذين استبدلوا الدين في أكثر أشكاله فجاجة وسطحية بالوطن.

المتغير الأكثر خطرأً هو أن مجلس الشعب الآن لا يستطيع تشكل لجنة في مستوى لجنة العطيفي ولا حتى أقل، لا بل فشلت كل المحاولات التي قام بها مصريون شرفاء ووطنيون على مستوى المسئولية من تشكيل لجنة مشابهة وتفعيلها

هل أصبح قدرنا أن يتسيد علينا وعلى مصرنا البلطجة السياسية والغوغائية الدينية ؟! هل أصبحنا لا نملك القدرة على نقد ومحاسبة كل المعممين من الأقباط والمسلمين فيما يقترفونه ليل نهار في تدمير قلب ووجدان مصر؟ ألم يعد لدينا القدرة على تنظيم أنفسنا لدرء الخطر الذي يحركه البعض في الساحة السياسية طمعاً في مكاسب وقتية على حساب مستقبل هذا الوطن؟

هل أصبحنا رهينة مجموعة من الكهنة والشيوخ وأدعياء العلم والفتوى المنتشرين في الكنائس والمساجد والفضائيات وشاشات التلفزيون المحلي . هؤلاء الذين يصبون علينا ما تيسر لهم من نفايات القراءات المبتسرة والأفكار الغيبية والخرافية ليحولوا حياتنا إلى جحيم مستمر؟.

هل أصبحنا في حالة يأس واستسلام كامل لما حدث للذهنية المصرية من تدمير شامل تم على مدي عقود من خلال، وياللعجب، مؤسسات التعليم والإعلام. ومن ثم تركنا الساحة لعبث المرضى العقليين والبلطجية وأدعياء العلم والحكمة؟

يا سادتي لقد أصبحنا في حالة مستعصية من الهوس العقلي والديني معاً تجعلنا نستثمر وقتنا وأموالنا وجهدنا بل وحياتنا كلها في معارك أسلمة مسيحي ومحاولات إعادته "لحظيرة" الإيمان أو تنصير مسلم وتحديد حكم الشرع فيه. بينما نحن غير مكترثين بما أصاب حياتنا كلها من فوضى شاملة، وعمينا أن نرى مدننا وقرانا وقد تحولت إلى خرائب متدهورة

لقد أصبحنا في حالة يرثى لها لا نستطيع فيها مواجهة الآثار التي تحدثها فتاوى يسوقها كاهن عن الإسلام... كاهن ترك مصر ونسي من الأخلاق الحميدة ما يمنعه من الاستهزاء بمشاعر الآخرين ، وهي شكوى رئيسية من شكاوى الأقباط على مدى العقود الماضية . أصبحنا مشلولي الأيدي والعقل أمام مجموعة من شباب المهاجرين يديرون حوارات سوقية مبتذلة يهزءون فيها بالكلمة والأغنية من عقائد وأديان الآخرين في مسابقة هي الأغرب من نوعها على الإنترنت. أصبحنا غير قادرين على مواجهة المتشددين المسلمين في المواقع المختلفة الذين يمارسون التندر والتهكم والتمييز ضد الأقباط باعتباره عملاً من أعمال التقوى، لقد تركنا الساحة لمن يهدد بإشعالها ناراً في واشنطن!! ومن يرد عليه بالتهديد يالخطوط الحمراء

لقد حان الوقت لدعوة حكماء هذا الوطن وعقلاءه لعقد مؤتمر دائم لوضع قضية الفتنة الطائفية في سياق قضية التغيير في مصر فلا مجال للحديث عن إنهاء الطائفية وفتنتها، دون ولادة الدولة الحديثة في مصر. مثل هذه الدعوة ليست جديدة بل هي متكررة لكنها أصبحت الآن حاجة ملحة للإنطلاق في مواجهة الغول الذي اكلنا قطعة قطعة على مدى ثلث قرن ويستعد لإلتهامنا تماماً في القريب إن لم نتحرك
نشرت بجريدة الكرامة 25 أكتوبر 2005

3 Comments:

At 8:13 PM, Blogger Hazem said...

عزيزي حنا
أتفق معك تماما في وجوب إدراج هذا الملف على قائمة مطالب الاصلاح. هذا الملف كما قلت قديم يتجدد و يحتاج إلى وقفة حقيقية و صادقة لأنه و باختصار حجر أساس في دولة مدنية يتساوى فيها الجميع و يخضع للقانون
و لعل ما حدث هو خير للوطن في بعض نواحيه إذ هو يدفع بنا إلى الالتفات إلى هذه القضية التي نتناسها عمدا، فلا حجة لنا الآن بعد هذه الضربة التي جاءت في توقيت حرج يحزم الناس انتخابيا على أساس مشاعر دينية مغلوطة و غير مبررة

يبدو لي أن ما يحدث على أرض الواقع-للأسف- هو نذر قليل في مواجهة عسر الأزمة و تفحلها.
علمت أن كفاية تستعد لمظاهرة لدعم الوحدة الوطنية، فهل يكفي التظاهر؟ أم هو مجرد نوع من تسجيل النقاط و المواقف؟
أظن أنه بجانب هذا ينبغي على حركة التغيير و تجمعاتها المختلفة أن تجتهد في تحديد أنجع السبل لتغيير واقع هذه القضية العاجلة بعيدا عن شعارات عامة و عبارات رنانة بليت كعلكة طال مضغها دون أن يستفيد منها جسد الوطن و روحه

 
At 9:58 PM, Blogger ibn_abdel_aziz said...

مقالك جيد يا استاذ حنا
واعتقد ان الاصوات العاقلة ليس لها منابر

ولهذا يجب ان نفرض انفسنا علي الواقع
يجب ان نصنع منابر حرة

لاينفق عليها جهات حكومية ولا معارضة حزبية ولا دينية ولا مالية اعلانية هدفها التربح

وسيلة اعلانية قادرة علي اخراج الاصوات المكتومة العاقلة

تحية مني لانسان محترم
اكرمكم الله :)

 
At 5:48 PM, Anonymous Anonymous said...

رئيسية الموقع :
مصر اليوم
اخر مواضيع منتديات مصر اليوم :
ترددات قنوات النايل سات الجديدة
اسعار السيارات فى مصر 2012 بالصور
مشاركة ارباح ادسنس

اهلا بكم , اضع لكم موقعى لتتطلعوا عليه

منتديات مصر اليوم هى منتديات عامة تهتم بالكثير من الاشياء المصرية . منتديات مصر اليوم هى منتديات عربية عموما مصرية خصوصا و هى منتديات عامة تهتم بكل ما يهتم به الشباب المصرى من الحوار او النقاش او اخر الاخبار او جديد الصور و الاغانى و الالبومات و الكليبات و الافلام و النكت و الفيديوهات و الموبايلات و تحتوى على اقسام مميزة مثل قسم اللغة الانجليزية و قسم اصحاب المواقع و المنتديات و قسم البرامج و القسم الاسلامى و قسم المرأة و قسم الرومانسية و الرياضة المصرية و الكثير ....
شاهد اقسام المنتدى :
اخبار مصر صور نكت مصرية اغانى قنوات و ترددات اخبار الرياضة المصرية مشاهدة مباريات بث مباشر اسعار السيارات

 

Post a Comment

<< Home