الأقباط وسؤال المواطنة-2
السؤال الثاني
لماذا تراجعت مشاركة الأقباط في القضايا الوطنية وفى الحياة العامة؛ حيث يذكر البعض أن آخر مشاركة للأقباط كانت في ثورة 1919؟
لنبدأ من ثورة 1919 التي يقول عنها المستشار طارق البشري: إنها "أنهت على أزمة الحركة الوطنية
المصرية في مرحلتها الأولى" أي قبل 1919، وهي المرحلة التي ساد فيها الاستقطاب الطائفي والسياسي؛ فالزخم الوطني المصاحب للثورة ساهم في إزالة أسباب الانقسام في الجماعة المصرية. والمعنى هنا أن
ثمار الحركة الوطنية لمناخ سياسي وطني ومواتٍ دفع بكل فئات الشعب بما فيهم الأقباط إلى المشاركة في الحياة العامة.
لماذا إذن كان الانسحاب؟
- يمكن أن نقسم مراحل الانسحاب إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى وتمتد منذ بداية الثلاثينيات وحتى ثورة يوليو 1952:
منذ بداية الثلاثينيات من القرن العشرين بدا واضحا أن الحياة السياسية في مصر دخلت مأزقًا جديدًا، كان من تداعياته أن دخلت الحركات الشيوعية والإخوان المسلمون إلى الساحة السياسية كتيارات موازية للأحزاب الرسمية، ومن ثم تعقَّد المشهد السياسي مرة أخرى، واضطرب المناخ السياسي الصحي الذي يسمح للشعب بالمشاركة المأمونة في العمل السياسي والحياة العامة. وكان من نتائج ذلك أن نشط الأقباط في مجال الجمعيات الأهلية؛ مثل: جمعية "الإيمان القبطية" و"الكرامة" و"ثمرة الإخلاص"، وكلها جمعيات اهتمت بالتعليم، وأنشأت مدارس يتعلم فيها كل المصريين دون تمييز.
وكان من نتائج هذه المرحلة أيضا أن نشط قسم كبير من أقباط الطبقة الوسطى المتعلمين في الكنيسة المصرية بهدف إصلاحها فيما عرف بحركة "مدارس الأحد".
وقد انتهت هذه المرحلة بالانقسام الشهير في حزب الوفد في أعقاب الأزمة الشهيرة بين مكرم عبيد والنحاس باشا؛ مما أثر على مشاركة الأقباط في الحزب الأثير لديهم على مدى أكثر من ربع قرن.
المرحلة الثانية هي المرحلة الناصرية: حيث يتفق الكثيرون من المؤرخين أن ثمة عوامل ثلاثة ساهمت في استمرار ابتعاد الأقباط عن العمل العام؛ هي
العامل الأول: عدم وجود أقباط بين عسكر الثورة بسبب الظروف التاريخية التي تشكل خلالها الجيش المصري في العصر الحديث منذ عهد محمد علي حتى قيام الثورة.
العامل الثاني: أن المشروع الناصري أمّم الفضاء السياسي والاجتماعي لتصبح الدولة وبيروقراطيوها هم المسئولين عن الشعب؛ مما جعل الشعب كله يدور في فلك المشروع الناصري.
العامل الثالث: أن المشروع الناصري أطاح بالطبقتين اللتين كان الأقباط يشاركون من خلالهما في العمل العام، وهما: طبقة كبار ومتوسطي ملاك الأراضي، وأفندية البيروقراطية المدنيون الذين حل العسكر محلهم في إدارة شئون الحياة المدنية.
وقد تنبه عبد الناصر لمشكلة عدم وجود الأقباط في مشروعه عندما أجريت أول انتخابات برلمانية بعد الثورة في عام 1957، وفيها لم ينجح قبطي واحد في دخول البرلمان، وكان الحل الذي تحول إلى مشكلة قائمة حتى الآن هو تعيين الأقباط في مجلس النواب، والتعامل مع المؤسسة الكنسية المصرية في حل مشاكل أو الاستجابة لمطالب الأقباط. وهنا أيضا حصل الخلط بين الأقباط كمواطنين لهم مشاكل ومطالب المواطن المصري في العموم، ومشاكل ومطالب المؤسسة الكنسية مثل بناء الكنائس.
وفي المحصلة النهائية كانت الإجراءات التي اتخذتها ثورة يوليو فيما يخص الأقباط في إطار المشروع الثوري العام، ولم تكن موجهة للأقباط بصفتهم هذه، كما أن مشروع عبد الناصر وشخصه لاقى قبولا واسعا لدى الأقباط، خاصة الأجيال التي نشأت في أحضان الثورة، غير أن المنهج الذي ساد في الفترة الناصرية أدى إلى تراجع الأقباط في العمل العام.
المرحلة الثالثة: منذ بداية السبعينيات وحتى الآن: ونستطيع إدماجها في النقاط التالية:
- انقلاب الدولة على المرحلة الناصرية بلجوء الدولة إلى التيار الإسلامي لتصفية اليسار بطوائفه، وشيوع مناخ ديني متزمت شارك فيه الإعلام المصري وإثارة مناخ التعصب؛ وهو ما أدى إلى صدامات طائفية يعرفها الجميع امتدت من أزمة الخانكة عام 1972 حتى أزمة الكشح عام 1999.
- عندما اصطدمت الدولة مع التيار الإسلامي المسلح كان الأقباط في مرمى النيران، ونالهم العديد من الطلقات التي أسهمت بشكل كبير في تقوقعهم رغم محاولات الدولة والتيار الإسلامي المعتدل طمأنتهم.
- أدى انسحاب الدولة من الخدمات الاجتماعية وعدم وجود مجتمع مدني للقيام بهذا الدور إلى قيام المؤسسة الكنسية في ظل قيادة كنسية اتسع لديها مفهوم الرعاية الروحية ليشمل معظم جوانب الحياة الشخصية للقبطي بهذا الدور، وانتشرت في الكنائس فرص النشاط الرياضي والفني والسياحي، وأصبحت الكنيسة المكان المناسب للهروب من الدولة والتيار الإسلامي معا.
وكان من نتائج هذه المرحلة أن هاجر عدد كبير من الأقباط الذين نشئوا في هذا المناخ الطائفي ليشكلوا فيما بعد ظاهرة أقباط المهجر في شكلها الجديد، وأصبح بعض أفرادها أكثر حدة وطائفية.
وعليه.. فإن النتائج التي يمكن الخروج بها من العرض السابق هي أن هناك أزمة جادة في مسار ولادة الدولة الحديثة في مصر، أدت إلى حالة مستمرة من الاحتقان السياسي التي لم تتوقف لحظة؛ بل ازدادت مع الوقت؛ وهو ما أدى إلى تراجع العمل السياسي على طول الخط وملء الفراغ الناجم عنه أمنيًّا؛ مما زاد من العنف من ناحية، ودفع بفئات الشعب المصري عامة إلى حالة من التدين المظهري المتزمت، وبعيدا عن العمل العام. لهذا يمكن أن نقول بأن الأقباط ليس لديهم قرار بالانسحاب من الحياة العامة، ولكنهم فعلوا ذلك باعتبارهم جزءًا من الشعب المصري، كما أنهم كانوا أكثر ذعرًا نتيجة لوجود تيار سياسي إسلامي معارض قوي؛ كونه دينيا إسلاميا فهو من وجهة نظر الأقباط يستبعدهم تلقائيا.
- ولكن حالة الحراك التي تسود مصر اليوم تثير التساؤل حول أسباب غياب الأقباط باستثناء رموز محدودة عن المشاركة في هذه الحركة الديناميكية التي تشهدها مصر..
في تقديري أن الوقت ما زال مبكرًا للحكم على مدى مشاركة القواعد الشعبية بصفة عامة فيما يحدث الآن؛ فكما سبق أن قلت فإن الشارع المصري تحول فعلا من حالة اللامبالاة وعدم الاكتراث إلى مرحلة المراقبة بانتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، والأقباط ليسوا استثناءً في ذلك، لكن أستطيع أن أقول بأن هناك تحولا طرأ في مشاركة أفراد الطبقة الوسطى من الأقباط، خاصة المهنيين، ويتمثل ذلك في ازدياد الأعداد المشاركة منهم في النشاط السياسي الحالي.
- انقلاب الدولة على المرحلة الناصرية بلجوء الدولة إلى التيار الإسلامي لتصفية اليسار بطوائفه، وشيوع مناخ ديني متزمت شارك فيه الإعلام المصري وإثارة مناخ التعصب؛ وهو ما أدى إلى صدامات طائفية يعرفها الجميع امتدت من أزمة الخانكة عام 1972 حتى أزمة الكشح عام 1999.
- عندما اصطدمت الدولة مع التيار الإسلامي المسلح كان الأقباط في مرمى النيران، ونالهم العديد من الطلقات التي أسهمت بشكل كبير في تقوقعهم رغم محاولات الدولة والتيار الإسلامي المعتدل طمأنتهم.
- أدى انسحاب الدولة من الخدمات الاجتماعية وعدم وجود مجتمع مدني للقيام بهذا الدور إلى قيام المؤسسة الكنسية في ظل قيادة كنسية اتسع لديها مفهوم الرعاية الروحية ليشمل معظم جوانب الحياة الشخصية للقبطي بهذا الدور، وانتشرت في الكنائس فرص النشاط الرياضي والفني والسياحي، وأصبحت الكنيسة المكان المناسب للهروب من الدولة والتيار الإسلامي معا.
وكان من نتائج هذه المرحلة أن هاجر عدد كبير من الأقباط الذين نشئوا في هذا المناخ الطائفي ليشكلوا فيما بعد ظاهرة أقباط المهجر في شكلها الجديد، وأصبح بعض أفرادها أكثر حدة وطائفية.
وعليه.. فإن النتائج التي يمكن الخروج بها من العرض السابق هي أن هناك أزمة جادة في مسار ولادة الدولة الحديثة في مصر، أدت إلى حالة مستمرة من الاحتقان السياسي التي لم تتوقف لحظة؛ بل ازدادت مع الوقت؛ وهو ما أدى إلى تراجع العمل السياسي على طول الخط وملء الفراغ الناجم عنه أمنيًّا؛ مما زاد من العنف من ناحية، ودفع بفئات الشعب المصري عامة إلى حالة من التدين المظهري المتزمت، وبعيدا عن العمل العام. لهذا يمكن أن نقول بأن الأقباط ليس لديهم قرار بالانسحاب من الحياة العامة، ولكنهم فعلوا ذلك باعتبارهم جزءًا من الشعب المصري، كما أنهم كانوا أكثر ذعرًا نتيجة لوجود تيار سياسي إسلامي معارض قوي؛ كونه دينيا إسلاميا فهو من وجهة نظر الأقباط يستبعدهم تلقائيا.
- ولكن حالة الحراك التي تسود مصر اليوم تثير التساؤل حول أسباب غياب الأقباط باستثناء رموز محدودة عن المشاركة في هذه الحركة الديناميكية التي تشهدها مصر..
في تقديري أن الوقت ما زال مبكرًا للحكم على مدى مشاركة القواعد الشعبية بصفة عامة فيما يحدث الآن؛ فكما سبق أن قلت فإن الشارع المصري تحول فعلا من حالة اللامبالاة وعدم الاكتراث إلى مرحلة المراقبة بانتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، والأقباط ليسوا استثناءً في ذلك، لكن أستطيع أن أقول بأن هناك تحولا طرأ في مشاركة أفراد الطبقة الوسطى من الأقباط، خاصة المهنيين، ويتمثل ذلك في ازدياد الأعداد المشاركة منهم في النشاط السياسي الحالي.
0 Comments:
Post a Comment
<< Home