واجهة المتحف القبطي مستوحاة من جامع الأقمر
دنيا الثقافة
الأهرام
العدد 44225 السنة 132- الأحد 6 يناير 2008
كتب: كارم يحيي
مسجد الاقمر والمتحف القبطى ثراث ثقافى واحد
في القاعة رقم(19) بالمتحف القبطي يتصدر المعروضات باب خشبي مطعم بحشوات من العظم( القطعة رقم869). يحار الزائر في التخمين هل هو لكنيسة أم لجامع أما واجهة المتحف التي تعود إلي أربعينيات القرن الماضي فتحاكي واجهة الجامع الأقمر أحد أجمل المساجد الفاطمية( القرن الثاني عشر).. وواجهة المتحف تترجم وعي صاحبها الفنان التشكيلي راغب عياد بالجذور المشتركة التي تجمع المصريين, وما من مؤرخ لتاريخ العمارة والفنون علي أرض وادي النيل إلا وأشار إلي أن الفنون القبطية والمسيحية الشرقية كانت من الأسس والروافد المهمة التي قامت عليها العمارة الإسلامية, كما في المساجد وغيرها. وتتجلي حيوية التأثير والتأثر عطاء وأخذا في ملاحظة الدكتور كمال الدين سامح بكتابه العمارة الإسلامية في مصر عن التأثير البيزنطي الواضح في تشييد قبة الجامع الأقمر نفسه, وحيث أشار إلي أن الفن القبطي كان بالأصل مدرسة من مدارس الفن البيزنطي.
هذه الألفة التي كانت قد جمعت آثارا ودور عبادة إسلامية وقبطية في وطن واحد نبهنا إليها المثقف المصري القبطي حنا جريس فأشار إلي دلالة استعارة الجامع الأقمر لواجهة المتحف القبطي قبل نحو سبعين عاما, وقال: الوعي بالجذور المشتركة للمصريين يعكس المناخ العام الذي يصوغ ثقافة الفنان والناس سواء كانت ثقافة وطنية عامة أو ثقافة فرعية لفئة. وأكد قائلا: واجهة المتحف القبطي تعني ببساطة أن الأقباط كان لديهم وعي تاريخي بأنهم جزء من البناء العام للوطن. ويلفت الانتباه إلي كتاب ألفه مينا أفندي في عام1898 بوصفه من بواكير تأريخ الأقباط في العصر الحديث لتاريخهم. فالمثقف المصري القبطي استخلص من كتاب المؤرخ المقريزي المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار كتابا اختار له عنوان القول الإبريزي فيما قاله العلامة المقريزي.
جريس يحذر مما وصفه بفقدان الذاكرة الثقافية, وبمعني استبدال الذاكرة الوطنية بذاكرة دينية صماء تنظر إلي دور العبادة بمنظور ديني عقيدي صرف متجرد من الوعي الثقافي والإنساني. وسألناه ما الذي لحق بوجدان المصريين؟, فأشار إلي أن النصف الثاني من القرن العشرين شهد إلحاق العملية التعليمية بالأجندة السياسية وتأميم الدولة للسياسة. وأوضح قائلا: التاريخ والجغرافيا يصوغان الوجدان الوطني عند النشء. وإذا ما قمت بعملية انتقاء وأسقطت جماعة من التاريخ الجمعي للأمة فإنك دون شك تدفعها إلي أن تنشئ لنفسها تاريخها الخاص, وكذا فنونها الخاصة المغلقة. ويوضح قائلا: الإدراك الانتقائي للتاريخ وإقصاء الآخر ينتج وجدانا مشوها عند الجميع مسلمين ومسيحيين.
هناك جهود بذلها مثقفون للحوار حول هذه القضايا الثقافية, بدأت منتصف عقد الثمانينيات, وتوقفت أو كادت مع عام2000, وتابع هذه الجهود وشارك فيها جريس, فرعت الكنيسة الكاثوليكية في مصر أنشطة اللجنة المصرية للعدالة والسلام ثم أسقفية الشباب بالكنيسة القبطية مجموعة التنمية الثقافية. ويقول: كان الهدف ليس فقط انفتاح شباب الأقباط علي المثقفين بل علي الثقافة العامة عبر قراءات غير منحازة في تاريخ مصر وتدريبات علي التذوق في مختلف مناحي الإبداع.ويضيف: هذه التجربة فتحت الباب أمام التفكير في أن انكفاء الأقباط علي الذات مؤقت وإن الأصل هو الانفتاح علي المجتمع العام.
وعن كيفية الخروج من دائرة الإحساس بالاستبعاد والمضي في الابتعاد؟ يقول جريس: لا أحد يملك وصفة جاهزة كاملة. ويقترح علي جبهة الثقافة ثلاث خطوات: وضع الأقباط علي خريطة مناهج التعليم كشركاء في الوطن.. إدراج التراث القبطي في الوعي العام من خلال إنشاء أقسام للدراسات القبطية بالجامعات.. وتحمل المثقفين مسئولية الاهتمام بطرح التراث القبطي المصري علي المجتمع. وهنا يعود ليستشهد بمؤرخ القرن الخامس عشر المقريزي قائلا: سأكون سعيدا لو نسعي جميعا لفهم بعض تفاصيل الثقافة والتاريخ القبطيين ولو أن مثقفين ومبدعين استلهموا الطقوس والترانيم القبطية بوصفها تراثا مصريا. ويضيف: أنا علي سبيل المثال أري الأزهر جزءا من تراثي وفي أديرة وادي النطرون جانبا من تراث المصري المسلم.