Wednesday, May 30, 2007

مواطنون في وطن واحد




سمير مرقس - سامح فوزي - نبيل مرقس
منير عياد - حنا جريس - جورج إسحق



"مواطنون في وطن واحد"




أولا: من نحن؟

ثانيا: العلاقات الإسلامية المسيحية:

(أ) العلاقات الإسلامية المسيحية عبر العصور:
الدروس المستفادة.
(ب) العلاقات الإسلامية المسيحية في العقود الأربعة الأخيرة (1970- ).

ثالثا:رؤيتنا:

(أ) الأقباط.
(ب) العلاقات الإسلامية المسيحية.
(ج) المواطنة /الاندماج الوطني.

رابعا:أهدافنا.


خامسا:خاتمة:

أولا:من نحن؟

(1) نحن مجموعة من المصريين، الحريصون على وحدة وتماسك الجماعة الوطنية ودعم نهوضها من خلال استكمال بناء الدولة المدنية الحديثة في مصر بكل مؤسساتها التي تقوم على الديمقراطية وإعمال القانون والعدالة الاجتماعية من خلال تجديد مسيرة الحركة الوطنية المصرية الجامعة لكل التيارات والاتجاهات ،والتأكيد على حق المواطنة ،وتفعيل المشاركة في صنع مستقبل هذا الوطن للجميع من دون تمييز بالحضور الفاعل في المجال السياسي.

(2) وعلى الرغم من أننا من مشارب فكرية وجيليه وتخصصية مختلفة، ويحمل كل منا خبرة غير قليلة طلابية ونقابية وحزبية وبحثية،إلا انه فيما يتعلق بملف العلاقات الإسلامية المسيحية فلقد تقاطعت جهودنا واجتهاداتنا منذ منتصف الثمانينيات من خلال جهود حوارية فردية ومؤسسية كانت تهدف إلى:
* تفعيل حضور الأقباط رغم كل التحديات في قلب الحركة الوطنية على قاعدة المواطنة.
* حسم ما أثاره البعض حول مواطنية الأقباط فقهيا،وتعميم اجتهاد البعض الآخر في التأكيد على مبدأ المواطنة لكل المصريين.
*الاهتمام المشترك بالقضايا الوطنية العامة التي تهم الوطن.
* التأكيد على أن الشأن القبطي هم وطني عام.
وكان التزامنا على مدى هذه السنوات ومن خلال الجهود الحوارية المتعاقبة بما يلي:
(أ) الصياغة الفكرية المشتركة لتجاوز الآني المحمل بالمصالح والتنازع والانقسام، إلى ما هو "مستقبلي"يدعم الاندماج والتكامل والصالح العام.
(ب) مقاومة الإلغاء أو الاستبعاد أو النفي، ورفض ما يعوق الارتباط الوطني العام، ويصب في اتجاه التفكيك والتفتيت.
(ج) العلاقة بين المسلمين والمسيحيين علاقة لا تقوم على الندية والتنافس، أو الخصومة والصراع، إنما هي علاقة تقوم على التكامل الوطني.
(د) إن العلاقة بين مكوني الجماعة الوطنية تتجاوز اللعبة السياسية بأهدافها إلى ما هو وطني جامع.
(ه) التأكيد على التزام الحوار الداخلي، وبخاصة فيما يتعلق بما أطلقنا عليه هموم الأقباط، ورفض أي حوار خارج الإطار الوطني، كذلك التدخل الخارجي، والنضال من أجل مواجهة العوامل الداخلية التي تعوق تحقق المواطنة.
(و) إن مشاكل الأقباط لابد وأن توضع في إطار مشاكل عموم المصريين.

(3) ويشير التقييم الموضوعي لهذا الجهد،إن الالتزام المبدئي بما سبق ذكره قد نتج عنه اجتهادات وأفكار وتم طرح العديد من القضايا الحساسة. بيد أن هناك الكثير من التحولات التي طرأت مع نهاية التسعينيات وحلول القرن الجديد – نعرضها بإيجاز في ثانيا- بسبب أحداث متلاحقة لم يدرها المعنيون بالشكل المرضي . وترتب على ما سبق أن توترت العلاقات الإسلامية المسيحية ،وحوصر طرح الشأن القبطي على قاعدة المواطنة بين الطرحين:" " الأقلوي" و " الطائفي ".الأول يري الأقباط "أقلية"، والثاني يعتبرهم "طائفة"، وما استتبع ذلك من تقديم بعض الاقتراحات لتفعيل مشاركة الأقباط إما علي أرضية الأقلية أو الطائفة. ونحن نري أن مثل هذه الاقتراحات تعبر عن واقع الأزمة الحالية، والذي لا يمكن الخروج من آسره إلا من خلال تدعيم مفهوم المواطنة، نظريا وعمليا، بحيث تقوم المؤسسات السياسية علي صيغ تمثيلية تتيح لكل أبناء الأمة المصرية، بصرف النظر عن انتمائهم الديني، أو موقعهم السياسي، أو موقفهم الإيديولوجي،أو مكانتهم الاجتماعية،أو وضعهم الاقتصادي فرصا متساوية للمشاركة، والتعبير عن المصالح والهموم، علي أرضية "المواطنة الكاملة".

(4) ونتيجة لهذا الحصار،واستخدام كل اتجاه للغة غير بناءة ، ومع التباطؤ الحكومي في التعامل مع الشأن القبطي وأخيرا التراوح في التعامل معه بين الطرحين الطائفي و الأقلوي، والحضور المؤثر لجماعة الإخوان المسلمين في المجال السياسي وغياب تبلور موقف فقهي من الشأن القبطي بالرغم من وجود اجتهادات فقهية معتبرة في هذا المقام،نرى ضرورة الإفادة منها.ووقوع كثير من التيارات في فخ عدم تناول الشأن القبطي من منظور المواطنة أي وضعه في السياق الوطني العام، وأخيرا الجدل السياسي حول التعديلات الدستورية ، تراجعت العلاقات الإسلامية المسيحية وتأثرت الجسور التي بنيت ،الأمر الذي ينذر بالخطر.

(5) وعليه وجدنا أنه من المفيد أن نتوجه للرأي العام بما نمثل من أفكار نؤمن بها وعشناها بإيمان وصرفنا الوقت والجهد من أجلها ، ونتصور أنه من حقنا أن نعبر عن أفكارنا هذه، ونقدم خبرتنا من واقع المسئولية التاريخية والالتزام الوطني الذي قطعناه على أنفسنا. ونحن في تحركنا هذا لا نزعم الوصاية على هذا الملف من جهة ،ولا نعطي لأنفسنا الحق أن ننوب عن أحد من جهة أخرى، كما أن جهدنا لا يقوم على التنافس مع أحد من جهة ثالثة، ولكن الأكيد أن هناك شرائح وفئات من المصريين رافضة للاستقطاب وتميل من حيث المزاج العام إلى الروح الوطنية المصرية وبناء الجسور، خاصة في وقت تشهد فيه المنطقة سريان "فيروس التفكيك"،نثق أنها سوف تتعاطف مع ما نقدم من أطروحات و أن تعبر عن نفسها.

(6) ونحن بتوجهنا هذا لانعتبر أنفسنا حركة سياسية وإنما مجموعة معنية "بالدفاع" عن الخبرة التاريخية الوطنية والتراكم عليها هدفها بالأخير تحقيق الاندماج الوطني على قاعدة المواطنة. وعليه فنحن منفتحون على جميع التيارات والاتجاهات من أجل دعم هذا التوجه.

(7) وفي سبيل هذا سوف نطرق كل الوسائل المدنية المشروعة –( من مطبوعات،ولقاءات،وجهد تشبيكي حواري مع المعنيين ،وإعداد برامج ثقافية ومناهج، ومحاولة تقديم حلول تفصيلية لمشاكل مزمنة في إطار توافق وطني حولها،وعلاج ما قد يطرأ من شأنه التأثير على العلاقات سلبا، انطلاقا من مبدأ المواطنة )- في التعبير عن تصورنا لدعم الاندماج الوطني على قاعدة المواطنة، والاجتهاد في كل ما من شأنه تحقيق المصالحة من أجل وطن واحد لكل المواطنين.وتوعية الأجيال الجديدة بأهمية التفاعل بصفتهم مواطنين وأن المشاكل لا يمكن أن تحل إلا في السياق الوطني العام وبجهد كل المصريين.ونحن نثق في أننا سنلقى الدعم الكامل من الجميع حرصا على وحدة وتماسك الجماعة الوطنية التي تضمنا.




ثانيا:العلاقات الإسلامية المسيحية:

( أ) عبر العصور:الدروس المستفادة:

(1) يشهد تاريخ مصر،إنه لم يكن تاريخ مستمر من الصراعات بين المسلمين والمسيحيين،ولم يكن في نفس الوقت تاريخ مثالي من التواصل ،بل كان في تقديرنا تاريخ من التفاعل يتحكم فيه السياق المحيط وطبيعة اللحظة التاريخية المواكبة.وعليه نجد انه متى كانت هذه اللحظة التاريخية تتسم بالتقدم والنهوض كان ذلك ينعكس إيجابا على المجتمع المصري وعلى العلاقة بين المصريين من المسلمين والمسيحيين،والعكس صحيح.

(2) لقد كان التاريخ بهذا المعنى ،"تاريخ طبيعي" ،تخللته لحظات تواصل وتفاعل ،وشابته لحظات أخرى من الانقطاع والتوتر،وفي الحالتين كانت الجماعة الوطنية تواصل السير وتراكم ذاكرة وطنية ،وخبرة واقعية منها ماهو جدير بان يستعاد ،ومنها ما يستحق الاستبعاد.
(3) وفي ضوء ما سبق، نجد أن تاريخ هذه العلاقة قام على أمرين هما:
*التفاعل الاجتماعي.
* التعددية الواقعية.

(4) نقصد بالتفاعل الاجتماعي؛ أن العلاقات الإسلامية المسيحية قد ارتبطت بمجمل الحياة الاجتماعية للمصريين بمستوياتها المتعددة.نعم طالت العلاقة فترات ضعف حيث ساد التوتر، إلا أنه لا يمكن فصل هذا التوتر عن السياق التاريخي المنتج له بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.و انه مع لحظات النهوض الوطني سرعان ما يتم تجاوز التوتر، وينزع المصريون إلى محاولة التكامل، وكان يتجسد هذا في الآتي:
- المواجهة المشتركة للظلم الذي يلحق بهم من دون تمييز.
-النضال المشترك ضد الوافد: حاكما أو محتلا.
- تجاوز الانتماءات الأضيق.

(5) ونقصد بالتعددية الواقعية؛ هو قبول التعايش تاريخيا، واستمرارية التعايش بين "مطلقين"، الأمر الذي عكس حالة جديرة بالرعاية والعناية والنمو على قاعدة المواطنة والمساواة والتكافؤ.لقد أتاحت التعددية الواقعية والتي لم تأت بمنحة من حاكم أو بقرار سياسي، وإنما وجدت في الواقع واستمرت، أن يتعايش المسلمون والمسيحيون عبر العصور،وأن تتحقق حياة على أرض الواقع تستلهم المقدس والإلهي في دعم الزمني والإنساني من خلال الحياة اليومية المشتركة.


(ب) في العقود الأربعة الأخيرة:

(1) تشهد مسيرة العلاقات الإسلامية المسيحية، على مدى أربعة عقود، تقريبا، توترا مستمرا. فمنذ حادثة أخميم 1970 يكاد لا تمر سنة تقريبا دون حدوث واقعة تؤجج التوتر،وتدفع إلى المزيد من"التجزئة الرأسية" في جسم المجتمع،أي تقسيم مصر على أساس ديني.والمتابع لهذه المسيرة يمكنه أن يرصد أربعة ملامح متداخلة وذلك كما يلي:
(أ) العنف الديني المباشر.
(ب) اتشاح أزمات الواقع المجتمعي المحتقن بالرداء الديني إذا ما كان طرفا هذه الأزمة أو تلك، أحدهما مسلم والآخر مسيحي.
(ج) الإشكاليات الخاصة بتغيير العقيدة.
(د) توظيف المشاعر الدينية المتأججة لدى كل طرف، لاعتبارات كثيرة معقدة، متى شعر أحد الأطراف بأن هناك ما يمس معتقده الديني وهو ما ترتب عليه انطلاق ما يعرف " بالسجال الديني " بتدفق غير مسبوق في تاريخ العلاقات الإسلامية المسيحية،مستفيدا من ثورة الاتصالات،وما تتيحه من إمكانات هائلة في التواصل والتأثير.
(ه) الإشكاليات الخاصة بتكافؤ الفرص.
(و) الثقافة المانعة لتوفر مناخ طبيعي للحرية الدينية.

(2) في ضوء ما سبق، يمكن القول أن العلاقات الإسلامية المسيحية في مصر باتت تتسم بنوعين من التوتر:"الصلب" و "الناعم"،الأول حيث استخدام القوة المادية المباشرة من عنف واحتجاج وتجريح ،والثاني حيث العمل على بناء رؤى وتصورات مفاهيمية وفكرية حول الذات والآخر تصب في اتجاه الفرقة ،وتكرس الكراهية ،والنظرة الدونية للآخر. أفرز هذا السياق،سياق التوتر بنوعيه:الصلب والناعم،لاعبوه الجدد، على الجانبين،الذين بسبب الواقع المتوتر تشكل لدي هؤلاء اللاعبين الجدد ذاكرة ووجدان ومن ثم خطاب وممارسات أدت إلى إحداث المزيد من "الانشطار"على حساب "الاندماج" الوطني .والانقطاع التام عن مسيرة الحركة الوطنية بحلوها ومرها،أو في أحسن الأحوال إعادة توظيف التاريخ بما يدعم الصراعات السياسية الآنية أو ما يمكن تسميته الذاكرة التاريخية "الانتقائية"،كذلك إساءة استخدام المفاهيم – بقصد أو غير قصد- مثل مفهوم المواطنة حيث يوظفه فريق من أجل مطالب طائفية ،ويستعيده الفريق الآخر في تأكيد فائدة النظام الملي.

(3) لقد كان الأطراف الرئيسيون(الدولة ، التيارات السياسية الرئيسية،رموز الأقباط:بورجوازية قبل 1952ثم التكنوقراط والإنتلجنسيا بعد1952،الكنيسة منذ مطلع السبعينيات) حتى ما بعد نهاية التسعينيات ملتزمون بالحد الأدنى مما اتفقت عليه عناصر الحركة الوطنية المصرية في التعامل مع العلاقات الإسلامية المسيحية، كونها شأنا داخليا ويحتاج إلى حساسية من نوع خاص في التعامل.وكانت الحركة الوطنية قبل 1952 قادرة على استيعاب هذا الملف من خلال الجهد المشترك من أجل الاستقلال الوطني وتحقيق العدل،فكان الأقباط منخرطون في جسم الحركة الوطنية بتنوعاتها،وحضور سياسي برلماني يقترب من العشرة في المائة من خلال الانتخاب المباشر،وكانت البورجوازية القبطية تمارس دورها كقيادات مدنية في المجال السياسي.أما بعد قيام ثورة يوليو 1952 ولاعتبارات كثيرة ، منها غياب التعددية السياسية والنظر للأقباط كجماعة سياسية – دينية،بالرغم من تحقق المواطنة في بعدها الاجتماعي للطبقات الوسطى والدنيا من المصريين من دون تمييز، فإننا
نجد النظام السياسي وقد بدأ يتعامل مع الشأن القبطي من خلال وسطاء وهما تحديدا:التكنوقراط الأقباط والإنتلجنسيا القبطية.وفضل النظام لاحقا منذ السبعينيات أن يتعامل مع الكيان الديني مباشرة وهي المرحلة التي شهدت بدايات التوتر الديني.

(4) وخلال هذه الفترة الزمنية فشلت مؤسسات الاندماج الوطني في إيجاد " تكافلات أفقية " جامعة للمصريين(تكافلات المصالح المادية لمختلف الفئات الاجتماعية الممثلة للنقابات والاتحادات والروابط والأندية...الخ) وقادرة على بناء جماعة سياسية قومية. ولكن ما حدث هو أن عادت مكونات الجماعة إلى الخصوصيات الصغيرة حيث التكافلات الرأسية(الدينية والعشائرية) حلت محل الوظيفة الاندماجية للدولة ،من خلال تقديم خدمات علاجية وتعليمية ومد شبكة أمان اجتماعي،وهي الأدوار التي انسحبت منها الدولة والتي من خلالها يتحقق الاندماج.

(5) كما تعرضت مصر، أثناء ذلك، لتأثيرات ثقافية وافدة(من سياقات اجتماعية لم تختبر خصوصية العلاقات الإسلامية المسيحية في مصر) حملت من ضمن ما حملت فقها مغايرا كان سقفه أقل بكثير مما بلغه الفقه في الخبرة المصرية، أعاد إثارة العديد من الأسئلة التي كان الفقه المصري كان قد أجاب عنها عبر العصور على أيدي فقهاء معتبرين.

(6) بيد أن نهاية التسعينيات شهدت تحولا جذريا حيث تعدد اللاعبون وتكاثرت الاتجاهات حتى في داخل الجهة الواحدة، وبروز ثقافة وصحافة تكرس التقسيم الديني بإتباع منهج التقابل حيث الإصرار على وجود الباحث القبطي والباحث الإسلامي، والنواب الأقباط والنواب الإسلاميون، وهكذا.

(7) . وعلى الرغم من انه لا خلاف على مضمون القيم الحقوقية باعتبارها نتاج للتجربة الإنسانية العالمية، والتي تم التوافق عليها من خلال المواثيق الدولية، فأنه ومع سيادة قيم العولمة وما أحدثته من سيولة في جدلية العلاقة بين الداخل والخارج، تم إعمال المواثيق الدولية الحقوقية لمراجعة الأوضاع الداخلية للدول، خاصة في مجالي الأقليات والحرية الدينية، الأمر الذي أثر على قيم السيادة الوطنية لحساب آليات التدخل العولمية الجديدة، ومن ثم التقاليد التي تم التوافق عليها فيما يتعلق بالعلاقات الإسلامية المسيحية،وتباين ردود الفعل حول هذا الأمر. بيد أنه لا يمكن إغفال إيجابية تبلور حركة وطنية حقوقية تمثل رصيدا للدفاع عن كرامة المواطن المصري.

(8) في أثناء ذلك حدثت واقعة 11/9 بما أنتجته من تداعيات :الإعلان الأمريكي بالحرب على الإرهاب والتي وظفت فيه مفردات دينية،واحتلال العراق،ومحاولات إعادة هندسة المنطقة بشكل قسري، واندلاع الصراعات الطائفية والقومية والمذهبية والدينية في المنطقة،وتشكل علاقات من الشك والريبة بين الأديان، وبين المذاهب في داخل الدين الواحد،الأمر الذي ألقى بظلاله على العلاقات الإسلامية المسيحية.

(9 ) ومع احتدام الأزمة بين الغرب والإسلام،تكونت صور ذهنية مغايرة في العقل الإسلامي لما هو متعارف عليه عن المسيحية الشرقية .بداية من إنها امتدادا للغرب المسيحي وهو غير صحيح ،فلا الغرب متطابق مع المسيحية،و المسيحية الشرقية تعاني من موجات التبشير غير المسبوقة .وفي نفس الوقت وبسبب التباطؤ في حل مشكلات تمس المسيحيون من جهة،وبسبب الإعلان المستمر من قبل البعض من أنصار الإسلام السياسي أن المسلمين خارج حدود الوطن أقرب إليهم من مواطنيهم من المسيحيين بات رهان البعض من المسيحيين إما على الهجرة(و التي هي أمل للمسلمين في نفس الوقت)أو الإستقواء الواهم بالغرب،كبديل عن النضال على أرض الواقع مع الآخرين .
ثالثا:رؤيتنا:
في ضوء ما تقدم، فإننا نتقدم برؤيتنا في ثلاثة موضوعات رئيسية تمثل مجالات اهتمام الوثيقة وذلك كما يلي:
(أ) الأقباط.
(ب) العلاقات الإسلامية المسيحية.
(ج) المواطنة /الاندماج الوطني.

(أ) الأقباط:

إننا نرى أن أي تناول للأقباط, لابد وأن يكون من منظور "المواطنة", التي تعني لدينا الآتي:
(1) هي تعبير عن حركة المواطن على أرض الوطن تتجاوز مفاهيم الطائفة و الملة و الذمة ، حيث أن الوطن يستوعب كل ما سبق, كما تتجاوز المواطنة مفهوم الأقلية بتداعياته,. و أن النزوع الأقلوي و الجنوح الطائفي يكونا بسبب اختلالات في البنية المجتمعية العامة.

(2)إن الأقباط مواطنون في المقام الأول و أعضاء في الجماعة الوطنية المصرية لا يشكلون "جماعة مستقلة" أو "كتلة مغلقة" و ذلك بسبب أنهم غير متماثلين من حيث الانتماء الاجتماعي المصري و السياسي ، فهم منتشرون"رأسيا" في الجسم الاجتماعي المصري, و منهم العامل و الفلاح و المهني و الحرفي و رجال الأعمال و التجار, و لا يربط بينهم سوى الانتماء إلى مصر من جانب, و الانتماء الديني من جانب آخر, و بين هذين الانتماءين تفترق المصالح و التحيزات و الرؤى.

(3)التزام السياق التاريخي لحركة المواطنين المصريين, المسلمين و الأقباط إذ بغير ذلك تكون الرؤية مبتورة. و سوف يتم التعامل معهم – الأقباط – و كأنهم يتحركون في فضاء اجتماعي و سياسي و اقتصادي و ثقافي منفصل. و أتصور الحال كذلك بالنسبة للمواطنين المسلمين, فعلى سبيل المثال, إذا أردنا الحديث عن ظاهرة "عزوف الأقباط عن المشاركة السياسية", فإننا لا يمكننا الحديث عنها و كأنها ظاهرة تخص الأقباط وحدهم من دون قراءة الظاهرة في إطار سياقها التاريخي العام كونها إشكالية مصرية عامة.

(ب)العلاقات الإسلامية المسيحية :
في ضوء قراءتنا التاريخية للعلاقات الإسلامية المسيحية وفهم الدروس المستفادة منها وما آلت إليه هذه العلاقات في العقود الربعة الأخيرة فإننا نرى ما يلي:

(1) الالتزام بالدروس المستفادة من التاريخ من حيث دعم التفاعل الاجتماعي والتعددية الواقعية بين المصريين (مسلمون ومسيحيون).

(2) الانشغال المشترك بالقضايا والهموم الوطنية التي تواجه الجميع ولا تفرق من حيث الأخطار والتداعيات بين أحد .

(3) التعاون العملي في شتى المجالات من خلال هياكل ومؤسسات المجتمع المدني المتنوعة.

(4) القراءة الموضوعية للتاريخ المتحررة من الرؤية الطائفية والتوظيف السياسي،والأخذ بمنهج السياق التاريخي في القراءة الذي من شأنه توسيع زاوية الرؤية.

(ج) المواطنة /الاندماج الوطني
(1) المواطنة لدينا هي تعبير عن الحركة المشتركة للناس على أرض الواقع مشاركين ومناضلين من أجل نيل الحقوق - معا- بأبعادها المدنية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، على قاعدة المساواة مع الآخرين من دون تمييز لأي سبب، واندماج المواطن/المواطنون في العملية الإنتاجية بما يتيح له اقتسام الموارد العامة والثروة الوطنية مع الآخرين الذين يعيشون معه في إطار الوطن الواحد.

(2) وتضمن الحركة المشتركة بين الناس من أجل بناء وطنهم أو الدفاع عنه،بالرغم من التنوع الثقافي وتعدد الخصوصيات،أن ينتقلوا من "الخاص الضيق"إلى "العام الرحب"أي من
" دائرة الانتماء الفرعي" إلى" المجال الوطني الجامع"، وهو ما يترتب عليه إحداث النهوض المرجو.

(3) إن غياب الحركة المشتركة يؤدي إلى الارتداد إلى الفرعي،ومن ثم إعاقة المواطنة أي الحركة المشتركة بين الناس وبالتالي إعاقة الاندماج الوطني لحساب الانكفاء أو السجال أو النفي،وهو ما نقاومه بشدة.

(4) ويراعي أن تكون الحركة المشتركة للأغلبية والأقلية على أساس سياسي وليس دينيا، أخذا في الاعتبار احترام الهوية والخصوصية الدينية والثقافية للأغلبية وتوفر حق مساو لاحترام الهوية والخصوصية الدينية والثقافية للأقلية.
رابعا:أهدافنا:
(1)تفعيل الشراكة بين جميع المواطنين في إطار دولة حديثة مدنية،تقوم على المواطنة والحرية السياسية والعدالة الاجتماعية.

(2) إننا نسعى للتأكيد على أن هناك كثير من القضايا والإشكاليات التي يعانى منها المجتمع، تحتاج إلى التضافر بين الجميع، حيث التنافر والتناحر ليسا في مصلحة أحد. بل الوعي أن الوهن الذي يصيب الجماعة الوطنية وإنكار إرادة الاندماج وكسر الجسور إنما يعنى كارثة تلحق بالجميع من دون تمييز. ولا نبالغ إذا قلنا أنه متى لحق التفتت بالكلي يمتد إلى الجماعات الفرعية وإلى الفرعي داخل الفرعي، فإضعاف الكلى هو إضعاف للجزئي. والفرعي متى انكفأ على نفسه بغرض الحماية إنما يصيبه الجمود وحكمه الخوف.

(3) إننا نسعى للتأكيد على حق المصريين في المساواة بدون تمييز انطلاقاً من انتسابهم إلى أرض واحدة يقيمون عليها حياتهم ومصالحهم ويحققون عليها مقاصدهم وتطلعاتهم.

(4) إننا نسعى للتأكيد على حق المصريين في المشاركة في كل المستويات انطلاقاً من مسئولتيهم في تطوير البني الأساسية والاجتماعية والثقافية للصالح العام.

5) إننا نسعى إلى تحديد معايير موضوعية تحكم الحضور الفاعل للجميع على قاعدتي التكافؤ والكفاءة اللتين متى غابا فإنما يعنى ذلك أن يستفيد من لا يستحق بغض النظر عن ماهيته وانتماءه.

(6) إننا نسعى للدفاع عن حقوق المهمشين والمقهورين والمظلومين، حيث أن القهر والظلم لا يفرق بين فرد وآخر بسبب الدين أو الجنس...الخ،عمليا، وتوسيع زاوية الرؤية عن أن القهر والظلم قد يكونا بسبب الانتماء الاجتماعي أو لأسباب أخرى.

(7) إننا نسعى لإقرار ثقافتي " التعددية "و"التفاعل الاجتماعي" على قاعدتي" المواطنة" و"التنوع".
(8) إننا نسعى إلى أن يدرك الجميع أن منظومة الحقوق تقوم على علاقة مركبة وجدلية، فمن السهل أن يعرف كل طرف حقوقه ويطالب بها وهذا أمر سهل ويسير، بيد أن الأعقد والذي يعكس بحق أننا نعيش في دولة حديثة وليس في دولة طائفية أو ملية هو إدراك كل طرف بحق الآخر عليه واستعداده للمحافظة على هذا الحق والمطالبة به.
(9) الدفاع عن مشاكل اللامساواة والحرية الدينية لكل المصريين من دون تمييز، في ضوء قواعد يتم التوافق عليها وتقنينها والتوعية بها لتصير مكونا لا غنى عنه في المركب الثقافي العام.
(10) ضمان حقوق متساوية للتعبير الديني لكل المصريين، والقبول المتبادل بان الهوية العامة للوطن المصري هي حاصل جمع للخصوصيات الثقافية المتعددة بغض النظر عن العدد.

(11) عدم التحرك في المجال العام على أسس سياسية ومدنية انطلاقا من أن العملية الديمقراطية تقوم على مفهومي الأغلبية والأقلية بالمعنى السياسي،والذي لا يعني خصومة مع الدين بحسب الخبرة المصرية.
خامسا:خاتمة:

(1) إننا نؤمن بأن الوطن المصري البديع الذي اتسع تاريخيا وإنسانيا ليحتضن على أرضه وفي أعماقه مطلقين دينيين تجاورا لقرون عديدة وأسهما معا في صياغة هويته الحضارية الفريدة وفي إثراء تراثه الإنساني العريق. هذا الوطن هو موضع للسعادة المشتركة لكل أبنائه، ينميه ويستمتع بفضائله كل من شارك مخلصا في رفعته وكل من أسهم مبدعا بفكره وعرقه ونضاله في تقدمه.
(2) هذا الوطن الذي صيغت ملامحه السياسية والثقافية والحضارية في العصر الحديث،على أيدي كوكبة من البنائين العظام صانعي جسور التواصل الإنساني الخلاق بين العقيدة والوطن،وبين العقل والوجدان،وبين المحلي والعالمي،وبين ماهو مطلق ومقدس وما هو دنيوي ونسبي وإنساني.هؤلاء الرواد الذين أبحروا بغير وجل في أعماق ثقافتين متمايزتين،دينية ومدنية،دون أن يفقدوا بوصلة الانتماء الصحيح إلى الوجدان المشترك لهذا الوطن العظيم.إنه ركب مهيب يتقدمه شيوخ أجلاء نلمح منهم حسن العطار ورفاعة الطهطاوي وكيرلس الرابع والأفغاني ومحمد عبده وكيرلس الخامس وحبيب جرجس وسرجيوس ومحمود شلتوت ومحمد أبو زهرة وأحمد حسن الباقوري. ويتبدى بينهم بعض رجالات الطبقة العليا فيهم سعد زغلول ومصطفى كامل وعبد العزيز فهمي وطلعت حرب وقاسم أمين وأحمد لطفي السيد ومصطفى النحاس وميخائيل عبد السيد و مرقس سميكة وويصا واصف وسينوت حنا ومكرم عبيد ومحمد حسين هيكل ومنصور فهمي و عبد الرازق السنهوري وتوفيق شحاتة وسليمان مرقس وفخري عبد النور.ويظهر في عمق المشهد أفندية من الطبقة الوسطى المصرية بكل حيويتها وصخبها يتقدمهم النديم وسلامة موسى ومحمود مختار ومحمود سعيد وطه حسين والعقاد ومحمد شفيق غربال وجمال حمدان ولويس عوض وحسين فوزي ونجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وعادل كامل ومحمد مندور و الشيخ محمد رفعت والمعلم ميخائيل المرتل ورمسيس يونان ويوسف جريس وعزيز الشوان ,وأبو بكر خيرت وجمال عبد الرحيم وصبحي وحيدة وعزيز سوريال عطية ومراد كامل وأحمد صادق سعد وشهدي عطية الشافعي وبيرم التونسي وبديع خيري والريحاني وزكي نجيب محمود وخالد محمد خالد و مختار التتش وخضر التوني وسيد درويش و محمد القصبجي ومحمد عبد الوهاب وبليغ حمدي و كمال الطويل وفؤاد حداد وصلاح جاهين وصلاح عبد الصبور وألفريد فرج ونعمان عاشور وأبو سيف يوسف وسيد عويس وإسماعيل صبري عبد الله وأحمد بهاء الدين وزكريا إبراهيم ويوسف إدريس وزكريا الحجاوي ووليم سليمان قلادة وعادل حسين ونزيه نصيف الأيوبي وصلاح أبو سيف ويوسف جوهر وعلي الراعي وشادي عبد السلام وعاطف الطيب ورمزي زكي وسعيد سنبل ومنير حكيم صليب وميشيل باخوم وفؤاد المهندس وفيليب جلاب. ومن السيدات هدى شعراوي ونبوية موسى وأم كلثوم وتحية حليم وأمينة السعيد وإيريس حبيب المصري وإنجي أفلاطون ودرية شفيق وسيدة إسماعيل الكاشف واستر فهمي وسيزا نبراوي وبنت الشاطئ وعزيزة أمير وروز اليوسف وسهير القلماوي ولطيفة الزيات وملك عبد العزيز وأنجيل بطرس وسناء جميل.بالإضافة إلى ماسبق لم تزل كتيبة المبدعين المصريين حية بجهود أنور عبد الملك وطارق البشري وثروت عكاشة ويونان لبيب رزق ورءوف عباس وحامد عمار وسمير أمين وأحمد أبو زيد ورشدي سعيد وماري أسعد ونعمات أحمد فؤاد وادوار الخراط ويوسف الشاروني ويوسف شاهين ...وغيرهم ،أمد الله في حياتهم.
(3) وأخيرا، يسكن طموح هذه المجموعة رغبة عارمة للحاق بتقاليد ومنجزات هذا الركب المهيب من قادة الرأي والفكر والمبدعين،نحاول قدر الجهد أن نهتدي بآثارهم ونتتلمذ على كتاباتهم وأعمالهم ونسعى قدر الطاقة لإضافة بعض النقوش المتواضعة إلى هذه الجدارية الفكرية والعملية المتسعة باتساع الوطن، والتي حوت في تجاور مبدع واتساق خلاق:
الديني مع العلماني،
المسلم مع القبطي،
الأصيل مع الوافد،
القادم من الشرق مع النازح إلى الغرب،
في سماحة ترفض الإقصاء وتنبذ الفرقة ،تحترم التنوع وتدين التعصب المقيت.

حيث تمتزج أنفاس صانعيها بمياه النيل،
ويستلهم مبدعيها صمت الصحراء،
و زرقة المتوسط،
وسمرة أرض الوادي.

جدارية عبقرية تكشف لنا بعد مرور هذه السنوات والعقود إننا رغم التنوع والاختلاف مازلنا نحيا معا مواطنين ذي كرامة.يمتلكنا ويسكن بين جوانحنا ؛فكرا وحضارة،عقيدة وانتماء؛

وطن واحد لا ينفرط عقده أبدا.